فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال القرطبي:

{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (31)}
نزلت في النَّضر بن الحارث؛ كان خرج إلى الحِيرة في التجارة فاشترى أحاديث كَلِيلة ودِمنة، وكِسرى وقيصر؛ فلما قصّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبار من مضى قال النضر: لو شئت لقلت مثل هذا.
وكان هذا وَقاحة وكذِبا.
وقيل: إنهم توهموا أنهم يأتون بمثله، كما توهّمت سحرة موسى، ثم راموا ذلك فعجزوا عنه وقالوا عِنادًا: إن هذا إلا أساطير الأوّلين.
وقد تقدّم. اهـ.

.قال الخازن:

قوله: {وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا}
نزلت في النضر بن الحارث بن علقمة من بني عبد الدار وذلك أنه كان يختلف إلى أرض فارس والحيرة ويسمع أخبارهم عن رستم واسفنديار وأحاديث العجم وكان يمر بالعباد من اليهود والنصارى فيراهم يقرءون التوراة والإنجيل ويركعون ويسجدون ويبكون فلما جاء مكة وجد النبي صلى الله عليه وسلم قد أوحي إليه وهو يقرأ ويصلي.
فقال النضر بن الحارث: قد سمعنا يعني مثل هذا الذي جاء به محمد لو نشاء لقلنا مثل هذا فذمهم الله بدفعهم الحق الذي لا شبهة فيه بادعائهم الباطل بقولهم لو نشاء لقلنا مثل هذا بعد التحدي وأبان عجزهم عن ذلك ولو قدروا ما تخلفوا عنه وهم أهل الفصاحة وفرسان البلاغة فبان بذلك كذبهم في قولهم لو نشاء لقلنا مثل هذا {إن هذا إلا أساطير الأولين} يعني أخبار الماضين. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا}.
قائل ذلك هو النضر بن الحارث واتبعه قائلون كثيرون وكان من مردة قريش سافر إلى فارس والحيرة وسمع من قصص الرهبان والأناجيل وأخبار رستم واسفنديار ويرى اليهود والنصارى يركعون ويسجدون، قتله رسول الله صلى الله عليه وسلم صبرًا بالصفراء بالأثيل منها منصرفه من بدر، وفي هذا التركيب جواز وقوع المضارع بعد إذا وجوابه الماضي جوازًا فصيحًا بخلاف أدوات الشرط فإنه لا يجوز ذلك فيها إلا في الشعر نحو:
من يكدني بشيء كنت منه

ومعنى {قد سمعنا} قد سمعنا ولا نطيع أو قد سمعنا منك هذا وقولهم: {لو نشاء} أي لو نشاء القول: {لقلنا مثل هذا} الذي تتلوه وذكر على معنى المتلو وهذا القول منهم على سبيل البهت والمصادمة وليس ذلك في استطاعهم فقد طولبوا بسورة منه فعجزوا وكان أصعب شيء إليهم الغلبة وخصوصًا في باب البيان فقد كانوا يتمالطون ويتعارضون ويحكم بينم في ذلك وكانوا أحرص الناس على قهر رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف يحيلون المعارضة على المشيئة ويتعللون بأنهم لو أرادوا لقالوا مثل هذا القول.
{إن هذا إلا أساطير الأوّلين}.
تقدم شرحه في الأنعام. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ ءاياتنا}
التي حقها أن يخِرَّ لها صُمُّ الجبال {قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هذا} قاله اللعينُ النضْرُ بنُ الحارث، وإسنادُه إلى الكل لما أنه كان رئيسَهم وقاضيَهم الذي يقولون بقوله ويأخُذون برأيه وقيل: قاله الذين ائتمروا في أمره صلى الله عليه وسلم في دار الندوة، وهذا كما ترى غايةُ المكابرة ونهايةُ العِناد كيف لا ولو استطاعوا شيئًا من ذلك فما الذي كان يمنعهم من المشيئة وقد تُحُدّوا عشرَ سنين وقُرعوا على العجز وذاقوا من ذلك الأمرَّيْن ثم قورعوا بالسيف فلم يعارضوا بما سواه مع أنَفتهم وفرْطِ استنكافِهم أن يُغلَبوا لاسيما في باب البيان {إِنْ هذا إِلاَّ أساطير الأولين} أي ما يسطرونه من القصص. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ ءاياتنا} التي لو أنزلناها على جبل لرأيته خاشعًا متصدعًا من خشية الله: {قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هذا} قائله النضر بن الحرث من بن عبد الدار على ما عليه جمهور المفسرن وكان ختلف إلى أرض فارس والحرة فيسمع أخبارهم عن رستم.
واسفنديار وكبار العجم وكان يمر باليهود والنصارى فيسمع منهم التوراة والإنجيل، وإسناد القول إلى ضمير الجمع من إسناد فعل البعض إلى الكل لما أن اللعين كان رئيسهم وقاضيهم الذي يقولون بقوله ويعملون برأيه.
وقيل: قاله الذين ائتمروا في أمره عليه الصلاة والسلام في دار الندوة، وأيًا ما كان فهو غاية المكابرة ونهاية العناد، إذ لو استطاعوا شيئًا من ذلك فما منعهم من المشيئة؟ وقد تحداهم عليه الصلاة والسلام وقرعهم بالعجز عشر سنين ثم قارعهم بالسيف فلم يعارضوا بما سواه من أنفتهم واستنكافهم أن يغلبوا لاسيما في ميدان البيان فإنهم كانوا فرسانه المالكين لأزمته الحائزين قصب السبق به.
واشتهر أنهم علقوا القصائد السبعة المشهورة على باب الكعبة متحدين بها، لكن تعقب أن ذلك مما لا أصل له وإن اشتهر، وزعم بعضهم أن هذا القول كان منهم قبل أن ينقطع طمعهم عن القدرة على الإتيان بمثله، وليس بشيء {إِنْ هذا إِلاَّ أساطير الاولين} جمع أسطورة على ما قاله المبرد كأحدوثة وأحاديث ومعناه ما سطر وكتب.
وفي القاموس الأساطير الأحاديث لا نظام لها جمع اسطار وإسطير وأسطور وبالهاء في الكل.
وأصل السطر الصف من الشيء كالكتاب والشجر وغيره وجمعه أسطر وسطور وأسطار وجمع الجمع أساطير ويحرك في الكل، وقال بعضهم: إن جمع سطر بالسكون أسطر وسطور وجمع سطر أسطار وأساطر، وهو مخالف لما في القاموس، والكلام على التشبيه، وأرادوا ما هذا إلا كقصص الأولين وحكاياتهم التي سطروها وليس كلام الله تعالى، وكأنه بيان لوجه قدرتهم على قول مثله لو شاءوا. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (31)}
انتقال إلى ذكر بهتان آخر من حجاج هؤلاء المشركين، لم تزل آيات هذه السورة يتخللها أخبار كفرهم من قوله: {ويقطع دابر الكافرين} [الأنفال: 7] وقوله: {ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله} [الأنفال: 13] وقوله: {فلَمْ تقتلوهم ولكن الله قتلهم} [الأنفال: 17] وقوله: {ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون} [الأنفال: 21] ثم بقوله: {وإذ يمكر بك الذين كفروا} [الأنفال: 30].
وهذه الجمل عطف على جملة: {ولو علم الله فيهم خيرًا لأسمعهم} [الأنفال: 23].
وهذا القول مقالة المتصدين للطعن على الرسول صلى الله عليه وسلم ومحاجته، والتشغيب عليه: منهم النضر بن الحارث، وطُعمية بن عدي، وعقبة بن أبي مُعَيْط.
ومعنى {قد سمعنا}: قد فهمنا ما تحتوي عليه، لو نشاء لقلنا مثلها وإنما اهتموا بالقصص ولم يتَبيّنوا مغزاها ولا ما في القرآن من الآداب والحقائق، فلذلك قال الله تعالى عنهم: {كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون} [الأنفال: 21] أي لا يفقهون ما سمعوا.
ومن عجيب بهتانهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم تحدّاهم بمعارضة سورة من القرآن، فعجزوا عن ذلك وأفحموا، ثم اعتذروا بأن ما في القرآن أساطير الأولين وأنهم قادرون على الإتيان بمثل ذلك قيل: قائِل ذلك هو النضر بن الحارث من بني عبد الدار، كان رجلًا من مردة قريش ومن المستهزئين، وكان كثيرَ الأسفار إلى الحِيره وإلى أطراف بلاد العجم في تجارته، فكان يلقى بالحِيرة ناسًا من العِبَاد (بتخفيف الباء اسم طائفة من النصارى) فيحدثونه من أخبار الإنجيل ويلقَى من العرب من ينقل أسطورة حروب (رُسْتُم) و(أسْفندياذ) من مُلوك الفرس في قصصهم الخُرافي، وإنما كانت تلك الأخبار تترجم للعرب باللسان ويستظهرها قصاصهم وأصحاب النوادر منهم ولم يذكر أحد أن تلك الأخبار كانت مكتوبة بالعربية، فيما أحسب، إلاّ ما وقع في الكشاف أن النضر بن الحارث جاء بنسخة من خبر (رُستم) و(اسفندياذَ) ولا يبعد أن يكون بعض تلك الأخبار مكتوبًا بالعربية كتبها القصاصون من أهل الحِيرة والأنبار تذكرة لأنفسهم، وإنما هي أخبار لا حكمة فيها ولا موعظة، وقد أطال فيها الفردوسي في كتاب الشاهنامه تطويلًا مُملًا على عادة أهل القصص، وقال الفخر: اشترى النضر من الحِيرة أحاديث كليلة ودمنة، وكان يقعد مع المستهزئين والمقتسمين وهو منهم فيقرأ عليهم أساطير الأولين، فإسناد قول النضر بن الحارث إلى جماعة المشركين: من حيث إنهم كانوا يؤيدونه ويَحكونه ويُحاكونه، ويحسبون فيه معذرة لهم عن العجز الذي تلبسوا به في معارضة القرآن، وأنه نفّس عليهم بهذه الأغلوطة، فإذا كان الذي ابتكره هو النضر بن الحارث فليس يمتنع أن تصدر أمثال هذا القول من أمثاله وأتباعه، فمن ضمنهم مجلسه الذي جاء فيه بهذه النزاقة.
وقولهم: {لو نشاء لقلنا مثل هذا} إيهام بأنهم ترفعوا عن معارضته، وأنهم لو شاءوا لنقلوا من أساطير الأولين إلى العربية ما يوازي قصص القرآن وهذه وقاحة، وإلاّ فما منعهم أن يشاءوا معارضة من تحداهم وقرعهم بالعجز بقوله: {فإنْ لم تفعلوا ولنْ تفعلوا} [البقرة: 24] مع تحيزهم وتآمرهم في إيجاد معذرة يعتذرون بها عن القرآن وإعجازه إياهم وتحديه لهم، وما قاله الوليد بن المغيرة في أمر القرآن.
والأساطير جمع أسطورة بضم الهمزة وهي القصة، وتقدم عند قوله تعالى: {حتى إذا جاءوك يجادلونك يقول الذين كفروا إن هذا إلاّ أساطير الأولين} في سورة [الأنعام: 25].
والمخالفة بين شرط {لو} وجوابها إذ جعل شرطها مضارعًا والجزاء ماضيًا جرى على الاستعمال في (لو) غالبًا، لأنها موضوعة للماضي فلزم أن يكون أحد جزَأيْ جملتها ماضيًا، أو كلاهما.
فإذا أريد التفنن خولف بينهما، فالتقدير: لو شئنا لقلنا، ولا يبعد عندي في مثل هذا التركيب أن يكون احتباكًا قائمًا مقام شرطين وجزاءين فإحدى الجملتين مستقبلة والأخرى ماضية، فالتقدير لو نشاء أن نقول نقولُ، ولو شئنا القول في الماضي لقلنا فيه، فذلك أوعب للأزمان، ويكون هذا هو الفرق بين قوله: {ولَوْ شئنا لآتينا كل نفسٍ هداها} [السجدة: 13] وقوله: {أنْ لَو يشاء الله لهدى الناس جميعًا} [الرعد: 31] فهم لما قالوا: {لو نشاء لقلنا مثل هذا} ادعوا القدرة على قول مثله في الماضي وفي المستقبل إغراقًا في النفَاجة والوقاحة. اهـ.

.قال الشعراوي:

{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (31)}
وقول الحق: {آياتنا} يعني آيات القرآن؛ لأننا عرفنا من قبل أن الآيات إما أن تكون الآيات الكونية التي تلفت إلى وجود المكوِّن الأعلى مثل الليل والنهار والشمس والقمر، وإمّا أن تكون الآيات بمعنى المعجزات: {وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُواْ لَوْلاَ اجتبيتها} [الأعراف: 203].
وهذه الآيات المعجزة علامة على أنه صادق. أو الآيات التي هي قسط من القرآن وهو المنهج.
وهنا يقول الحق تبارك وتعالى: {وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا} [الأنفال: 31].
ونفهم من التلاوة أن المقصود هو آيات القرآن الكريم. فماذا قالوا؟
{قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هذا} [الأنفال: 31].
وقولهم: {لو نشاء} هذا يدل على أنهم لم يقولوا؛ لأن {لو} حرف امتناع لامتناع، مثلما تقول: لو جئتني لأكرمتك، فامتنع الإكرام مني لامتناع المجيء منك، فهذا يعني امتناع لامتناع، ومثلما يقول قائل: لو عندي مال لاشتريت قصرًا، ولأنه لا يملك مالًا، فهو لم يشتر القصر- إذن هم لم يشاءوا ولم يقولوا؛ لذلك كان كلامهم مجرد تهويش وتهديد لا محل له. فلم يحصل منهم هذا ولا ذاك.
إذن ثبت الإعجاز. لقد ثبت لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلب منهم أولًا أن يأتوا بمثل هذا القرآن، وحين قالوا: إن القرآن كثير ولا يقدرون أن يأتوا بمثله، تحداهم بأن يأتوا بعشر سور، وحين فشلوا، تحداهم بأن يأتوا بسورة، فلم يأتوا، وكان هذا تدرجًا في الإعجاز.
لقد تحداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعنى التحدي حفز المُتَحدّى أن يُجند كل ما يقوى عليه ليرد التحدي. فإن لم تتجمع لهم المواهب التي تكفل قبول التحدي انسحبوا؛ لكن واحدًا منهم النضر بن الحارث ذهب لفارس، ورأى كتابًا هناك يضم أساطير وحكايات، وجاء ليقول وسط قريش: هأنذا أقول مثل محمد. لكن كلامه لم يكن له هدف ولا يحمل منهجًا ولا توجد لكل كلمة فيه قدرة جذب لمعنى، ولم يوجد في قوله أي معنى جاذب للكلمة، لذلك انصرف عنه القوم.
{وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هذا إِنْ هاذا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأولين} [الأنفال: 31].
وهذا قولهم، وسبق أن اعترفوا بأنه قرآن، وسبق لهم أن قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حتى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأرض يَنْبُوعًا أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأنهار خِلالَهَا تَفْجِيرًا أَوْ تُسْقِطَ السماء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بالله والملائكة قَبِيلًا أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ ترقى فِي السماء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَرًا رَّسُولًا} [الإسراء: 90- 93].
وحين نقرأ هذه الآيات الكريمة ونقوم بتعداد ما طلبوا منه، نجد أنهم طلبوا تفجير الأرض بينبوع ماء، وطلبوا أن تكون له جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا، وطلبوا أن تسقط السماء كما زعم عليهم كسفا، وطلبوا أن يأتي بالله والملائكة قبيلا، وطلبوا أن يكون له بيت من زخرف، وطلبوا أن يرقى في السماء، وكل هذا كلام طويل أثبته القرآن الكريم، فهل ما قالوه يعد قرآنا؟ لا، ولنلتفت إلى دقة أداء القرآن، فلم يقل كل هذه الطلبات إنسان واحد، بل قال كل منهم طلبًا، وبأسلوب مختلف، ولكن بلاغة القرآن الكريم جمعت كل الأساليب فأدتها بتوضيح دقيق وبإعجاز بالغ، ولذلك لنا أن نلتفت أننا ساعة نسمع نقلا لكلام الغير من القرآن، فعلينا ألا نأخذه على أن هذا الكلام الذي قيل هو معانٍ قيلت، وجاء القرآن الكريم بها بأسلوب الله.
وأضرب هذا المثل- ولله المثل الأعلى- إذا جئت لابنك وقلت له: يا بني اذهب إلى عمك فلان وقل له: إن أبي يدعوك غدًا مساءً لتناول العشاء معه؛ لأن عنده ضيوفًا ويحرص على أن تشاهدهم ويشاهدوك وتقوي من مكانته. وحين ذهب الولد لعمه، هل قال له نفس الكلام؟ طبعا لا؛ لأن الأب قد يكون متعلمًا، ولا يستطيع الابن أن يقول ذات الكلمات. أو قد يكون الأب أميًّا، والابن مثقفا ناضجا فينقل الابن رسالة أكثر بلاغة.
إذن فأنت إذا سمعت أو قرأت كلامًا من غير الله على لسان أحد، فاعلم أن هذا أداء الله لمطلوبات المتكلم.
{وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هذا إِنْ هاذا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأولين} [الأنفال: 31].
والأساطير جمع أسطورة، أي الحوادث والأحاديث الخرافية مثل ألف ليلة وليلة، وكليلة ودمنة، والإلياذة وغيرها من كتب الأساطير. اهـ.